سورة الأنعام - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


قوله عز وجل: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن المجوس نسبت الشر إلى إبليس، وتجعله بذلك شريكاً لله.
والثاني: أن مشركي العرب جعلوا الملائكة بنات الله وشركاء له، قاله قتادة، والسدي، وابن زيد كقوله تعالى: {وَجَعَلُواْ بَينَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} فَسَمَّى الملائكة لاختفائهم عن العيون جنة.
والثالث: أنه أطاعوا الشيطان في عبادة الأوثان حتى جعلوها شركاء لله في العبادة، قاله الحسن، والزجاج.
{وَخَلَقَهُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه خلقهم بلا شريك له، فَلِمَ جعلوا له في العبادة شريكاً؟.
والثاني: أنه خلق من جعلوه شريكاً فكيف صار في العبادة شريكاً.
وقرأ يحيى بن يعمر {وَخَلْقَهُمْ} بتسكين اللام. ومعناه أنهم جعلوا خلقهم الذي صنعوه بأيديهم من الأصنام لله شريكاً.
{وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} في خرقوا قراءتان بالتخفيف والتشديد، وفيه قولان:
أحدهما: أن معنى خرقوا كذبوا، قاله مجاهد، وقتادة، وابن جريج، وابن زيد.
والثاني: معناه وخلقوا له بنين وبنات، والخلق والخرق واحد، قاله الفراء.
والقول الثاني: أن معنى القراءتين مختلف، وفي اختلافهما قولان:
أحدهما: أنها بالتشديد على التكثير.
والثاني: أن معناها بالتخفيف كذبوا، وبالتشديد اختلفوا.
والبنون قول النصارى في المسيح أنه ابن الله، وقول اليهود أن عزيراً ابن الله.
والبنات قول مشركي العرب في الملائكة أنهم بنات الله.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: بغير علم منهم أن له بنين وبنات.
والثاني: بغير حجة تدلهم على أن له بنين وبنات.


قوله عز وجل: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} فيه لأهل التأويل خمسة أقاويل:
أحدها: معناه لا تحيط به الأبصار، وهو يحيط بالأبصار، واعتل قائل هذا بقوله: {فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} فوصف الله الغرق بأنه أدرك فرعون، وليس الغرق موصوفاً بالرؤية، كذلك الإدراك هنا، وليس ذلك بمانع من الرؤية بالإِبصار، غير أن هذا اللفظ لا يقتضيه وإن دل عليه قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.
والقول الثاني: معناه لا تراه الأبصار وهو يرى الأبصار، واعتل قائلو ذلك بأمرين:
أحدهما: أن الأبصار ترى ما بينها ولا ترى ما لاصقها، وما بين البصر فلا بد أن يكون بينهما فضاء، فلو رأته الأبصار لكان محدوداً ولخلا منه مكان، وهذه صفات الأجسام التي يجوز عليها الزيادة والنقصان.
والثاني: أن الأبصار تدرك الألوان كما أن السمع يدرك الأصوات، فلما امتنع أن يكون ذا لون امتنع أن يكون مرئياً، كما أن ما امتنع أن يكون ذا صوت امتنع أن يكون مسموعاً.
والقول الثالث: لا تدركه أبصار الخلق في الدنيا بدليل قوله: {لاَ تَدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} وتدركه في الآخرة بدليل قوله: {إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] وهو يدرك الأبصار في الدنيا والآخرة.
والرابع: لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة، وتدركه أبصار المؤمنين، وهو يدرك الأبصار في الدنيا والآخرة، لأن الإِدراك له كرامة تنتفي عن أهل المعاصي.
والقول الخامس: أن الأبصار لا تدركه في الدنيا والآخرة، ولكن الله يحدث لأوليائه حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس يرونه بها، اعتِلاَلاً بأن الله أخبر برؤيته، فلو جاز أن يُرَى في الآخرة بهذه الأبصار وإن زِيْدَ في قواها جاز أن يرى بها في الدنيا وإن ضعفت قواها بأضعف من رؤية الآخرة، لأن ما خُلِقَ لإِدراك شيء لا يُعْدَمُ إدراكه، وإنما يختلف الإِدراك بحسب اختلاف القوة والضعف، فلما كان هذا مانعاً من الإدراك- وقد أخبر الله تعالى بإدراكه- اقتضى أن يكون ما أخبر به حقاً لا يدفع بالشبه، وذلك بخلق حاسة أخرى يقع بها الإِدراك.
ثم قال: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فاحتمل وجهين من التأويل:
أحدهما: لطيف بعباده في الإِنعام عليهم، خبير بمصالحهم.
والثاني: لطيف في التدبير خبير بالحكمة.


قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يتلو بعضها بعضاً فلا ينقطع التنزيل.
والثاني: أن الآية تنصرف في معان متغايرة مبالغة في الإِعجاز ومباينة لكلام البشر.
والثالث: أنه اختلاف ما تضمنها من الوعد والوعيد والأمر والنهي، ليكون أبلغ في الزجر، وأدعى إلى الإِجابة، وأجمع للمصلحة.
ثم قال تعالى: {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} وفي الكلام حذف، وتقديره: ولئلا يقولوا درست، فحذف ذلك إيجازاً كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 167] أي لئلا تضلوا.
وفي {دَرَسْتَ} خمس قراءات يختلف تأويلها بحسب اختلافها:
إحداهن: {دَرَسْتَ} بمعنى قرأت وتعلمت، تقول ذلك قريش للنبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس، والضحاك، وهي قراءة حمزة، والكسائي.
والثانية: {دَارَسْتَ} بمعنى ذاكرت وقارأت، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، ومروي عن ابن عباس، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو.
وفيها على هذه القراءة تأويل ثانٍ، أنها بمعنى خاصمت وجادلت.
والثالثة: {دَرَسَتْ} بتسكين التاء بمعنى انمحت وتقادمت، قاله ابن الزبير، والحسن، وهي قراءة ابن عامر.
والرابعة: {دُرِسَتْ} بضم الدال لما لم يسم فاعله تليت وقرئت، قاله قتادة.
والخامسة: {دَرَسَ} بمعنى قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وتلا، وهذا حرف أبي بن كعب، وابن مسعود.
{وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْْلَمُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لقوم يعقلون.
والثاني: يعلمون وجوه البيان وإن لم يعلموا المبين.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12